أحكام إسلامية

ما الحكم الشرعي لصورة الاكتتابات الثلاثة المطروحة في الأسواق؟

# ما الحكم الشرعي لصورة الاكتتابات الثلاثة المطروحة في الأسواق؟

مقدمة حول الطرح الأولي للعملات الرقمية:

واجهت عمليات الطرح الأولي للعملات (اﻻكتتابات)، الكثير من الانتقادات منذ انطلاقها وصلت إلى حد المنع والتجريم في بعض الدول، نتيجة لمجموعة من العوامل كـ”عدم الجدية، وعدم الموثوقية، وكثرة عمليات الاحتيال فيها، وغياب التقييم الحقيقي والعادل”.

كما واجهت اﻷمر ذاته من الناحية الشرعية، خاصة مع إضافة عامل “الوقوع في الربا”، في بعض أنواع الطرح الأولي وهو الـ(IDO) و(IEO) وهذان النوعان يشترطان إيداع مبالغ لفترة زمنية مقابل فوائد ربوية كي يتم السماح للشخص بالشراء في الطرح الأولي.

– أنواع الطرح اﻷولي:

بالنتيجة، يوجد 3 أنواع من عمليات الطرح الأولي يتم العمل وفقها في أسواق العملات الرقمية نوجز الحديث عنها بالنقاط التالية.

– النوع الأول: نظام الطرح الأولي للعملات

 (ICO) Initial coin offering

هو النوع الأول الذي عرفته أسواق العملات الرقمية، والذي يهدف لجمع التمويل لمشاريع، غالباً تكون تقنية مستقبلية غير قائمة بعد، حيث تمثل العملات فيها وسيلة للدفع مقابل خدماتها المستقبلية، ولا تمثل حصة في ملكية المشروع كما هو الحال في الأسهم. وتتم العملية من خلال شراء “التوكنات” مباشرة من أصحاب المشروع بحسب السعر الذي يحدده أصحاب المشروع وغالبًا ﻻ يكون حقيقيا وليس عادلا، ثم تطرح العملات للتداول في المنصات المركزية واللامركزية.

ولهذا النوع مشكلات هي:

1-غياب الضمانات المقدمة من المصدر لصالح المشترين للعملات.

2-تأخر الطرح للتداول في المنصات، أو عدم حدوثه أصلا فتنتهي العملية بضياع أموال المستثمرين.

3-غياب المشاريع أو الخدمات الحقيقية التي تمثلها العملة المصدرة.

4-عدم وجود تقييم حقيقي لسعر التوكن من قبل طرف ثالث محايد.

5-الإغلاق في الكثير من المشاريع على العملات وعدم تسليمها للمشتري بعد قبض صاحب المشروع لثمنها لفترة من الزمن.

6-كثرة العمليات الاحتيالية بعد جمع التمويل.

7- (اللاشيء) حيث لا يمثل التوكن في مرحلة ما قبل بناء المشروع أي قيمة مادية أو معنوية أو خدمة.

– النوع الثاني: الطرح الأولي في منصات التداول المركزية:

Initial Exchange Offering (IEO)

ظهر هذا النوع بعد كثرة عمليات الاحتيال في نموذج (ICO) السابق، وتزعزع ثقة المستثمرين في أسواق العملات المشفرة؛ مما دعا لاستحداث نموذج جديد يعالج هذه المخاطر والمخاوف فظهر نموذج (IEO) الذي ترعاه منصات التداول المركزية، والتي أعلنت أنها ستتحقق من نوعية المشاريع وجدية الفرق القائمة عليها قبل طرحها للبيع على منصة الاطلاق الخاصة بها، إضافة لكون المنصة تضمن إدراج العملة للتداول فور انتهاء عملية الاكتتاب بخلاف نموذج (ICO).

ويكتنف هذا النوع بعض اﻹشكاليات، رغم اعتباره تطورًا إيجابياً في هذا المجال، وهي أنه:

1-لا يشترط وجود مشاريع حقيقية قائمة حيث يكفي أن تكون الفكرة واعدة ومثيرة.

2-التوكن في غالب الحالات لا يمثل أي قيمة حقيقية أو خدمة كون المشاريع لم تنطلق بعد غالباً.

3- عدم خضوع سعر التوكن لأي تقييم من طرف محايد، حيث لا يزال من اختصاص الجهة صاحبة المشروع.

4-اشتراط منصة التداول عمل ايداع بعملة المنصة لفترة زمنية مقابل فوائد ربوية حتى تسمح للمستثمر بالمشاركة في عملية الشراء عند الطرح الأولي.

5-الأموال ستكون في حيازة منصة التداول وتحت تصرفها.

– النوع الثالث: الطرح الأولي في منصات التبادل اللامركزي.

Initial (DEX) Offering (IDO).

طرأ تطور جديد بعد التطور الذي شهدته عمليات الطرح الأولي من خلال نظام الـ(IEO) على هذه الصناعة وهو نظام الـ(IDO)، وهو الطرح الأولي بواسطة منصات التبادل اللامركزية من خلال “العقود الذكية”، الذي يعد انتكاسة لأسواق التمويل بواسطة العملات الرقمية، وعودة مبطنة إلى نموذج الـ(ICO) الأول.

وبحسب هذا النموذج الـ(IDO)، يمكن لأي مشروع أن يتعاقد مع منصة لا مركزية لبيع عملته بواسطة العقود الذكية ثم يتم اقتطاع جزء من العوائد لتمويل حوض السيولة والباقي يصرف لأصحاب المشروع؛ الأمر يبدو رائعًا وسهلاً، إﻻ أنه في الحقيقة فتح الباب مجدداً أمام “مشاريع احتيالية” لتمارس نشاطها (الذي لم يتوقف أصلا) لكن بشكل أوسع، مستغلة العمل هذه المرة تحت مظلة المنصات اللامركزية، التي يظن الكثير من البسطاء أنها مصدر ثقة.

– أبرز إشكاليات هذا النمودج:

1- عدم وجود قيمة حقيقية أو مشروع قائم أو منفعة يمثلها التوكن غالبًا كون المشاريع مستقبلية وليست قائمة أصلاً.

2-التدقيق الذي تدعيه المنصات اللامركزية على نوعية المشاريع وموثوقيتها والفرق القائمة عليها غير حقيقي وبإمكان أي شخص بقليل من الأدوات أن يقوم بإدراج عملته التي لا تساوي شيء وبيعها من خلال هذه المنصات.

3-بإمكان المشاريع سحب السيولة وتفريغ الأحواض وسحب البساط من تحت أقدام المستثمرين وتركهم مع توكنات لا تمثل أي قيمة أو منفعة.

4-تشترط بعض المنصات عمل إيداعات مقابل “فوائد ربوية” ليتم السماح للراغبين المشاركة في عملية الشراء في الطرح الأولي.

5-سعر التوكن لا يخضع لأي تقييم من قبل طرف محايد ولا يزال من اختصاص الجهة صاحبة المشروع.

6-كثرة العمليات الاحتيالية التي ظهرت في هذا النموذج.

الحكم الشرعي:

بعد المقدمة السابقة والتفاصيل التي مررنا عليها، نستعرض حكم الطرح الأولي للعملات الرقمية بأنواعه المتعددة من منظور الشريعة الإسلامية.

وللأمانة العلمية في النقل، فهذا المبحث قدمه موقع “كريبتو حلال” الذي يقوم عليه الدكتور محمد أبو جزر، صاحب الجهد المبارك الطيب بإذن الله…. يقول:

من خلال التأمل في نماذج الطرح الأولي المعمول بها في أسواق العملات الرقمية سواء كانت (ICO/IEO/IDO) فإنها بالمجمل لا تخلو من مخالفات شرعية تجعل التعامل بها يدخل في باب الممنوع شرعا، وهي على النحو التالي:

– أولا/ الغرر:

هو الأمر مجهول العاقبة أيكون أو لا يكون؛ فهذه العملات في الغالب تصدرها مشاريع غير موجودة أصلا ولا تملك أي خدمة أو منفعة أو أي وجود مادي، بالتالي أنت تشتري عملة تؤهلك لشراء خدمة غير موجودة سيقدمها مشروع غير موجود، ولا يعلم هل سيكون أم لا يكون، وهذا هو “عين الغرر”؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وبيع الغرر). 

– ثانيا/ الجهالة:

وكون هذه العملات لا تمثل أصلا أو منفعة بعد، وإنما ربما تكون كذلك في المستقبل؛ فمسألة تقييم سعرها لا يجب أن تترك لأهواء أصحاب المشاريع، بل يجب أن يتم ذلك من خلال طرف ثالث محايد يتولى عملية التقييم، وهذا هو العرف السائد في بورصات الأسهم؛ مثلا عند طرح أي مشروع للاكتتاب؛ فالكثير من المشاريع باعت توكناتها بأسعار مبالغ بها؛ ليتفاجأ المشترون بعد الإدراج في المنصات أنها لا تساوي هذه القيمة، وهذه “الجهالة الفاحشة” في قيمة المبيع لطالما أفضت إلى خسارة عشرات الآلاف من المستثمرين لأموالهم حول العالم لصالح حفنة من المحتالين.

ونقصد بالجهل هنا: الجهل بالقيمة الحقيقية فخدمات ومنافع التوكن غير موجودة بعد كي نتمكن معرفة القيمة الحقيقية من خلالها، وكذلك التوكن غير مطروح بعد في أسواق التداول كي نستطيع تحديد قيمة له من خلال العرض والطلب، وبالتالي؛ فإن التقييم من طرف صاحب المشروع دون معرفة المشتري للسعر الحقيقي والعادل هو جهالة مفسدة لهذا النوع من المعاملات.

– ثالثا: تمويل المشاريع المحرمة:

وهي إشكالية متحققة في الكثير من المشاريع، فمشاريع الكريبتو نسبة كبيرة جدًا منها غير مباح وخاصة تلك التي تعنى بالجانب المالي؛ فبعد ثورة الديفاي ظهرت الآلاف من المشاريع التي تدعم هذا القطاع.

إن المشاركة من خلال الشراء لتوكنات هذه المشاريع من خلال الطرح الأولي، هو تمويل مباشر لهذه المشاريع، فالمشاريع تبيع التوكنات لتجمع التمويل لبناء المشاريع فإذا كان المشروع المعلن محرم فلا يجوز بحال المشاركة في هكذا عملية ابتداء، وهو من قبيل التعاون على الإثم والعدوان، وتحقيق الكسب من خلال تمويل المشروع المحرم.

– رابعا: الربا:

كما ﻻحظنا عند التعريف بأنظمة (IEO/IDO) فإن هذه الأنظمة تتطلب المشاركة فيها القيام بإيداع الأموال في المنصات المركزية واللامركزية لفترة من الزمن مقابل الحصول على فوائد ربوية وكذلك الحصول على الحق في المشاركة في الاكتتاب؛ وهذا مما لا يشك عاقل بأنه من قبيل الربا المحرم والعياذ بالله.

وكذلك ففي نظام (ICO) لا يتم تسليم التوكنات إلا بعد فترة من الزمن وفي هذا الموطن رأيان:

الأول يرى أن التوكن هو عملة منذ لحظة إصداره وحتى قبل البيع الأولي والنزول إلى المنصات ويأخذ جميع أحكام العملات.

والرأي الثاني يفيد أن التوكن لا يأخذ حكم العملة إلا بعد الإدراج في المنصات وحصوله على القبول بين فئة من الناس وقبل ذلك لا يعد سوى رمز لا يمثل أي قيمة.

فبحسب القول الأول يكون تأخير تسليم العملات للمستثمرين بعد قبض ثمنها من قبيل ربا اليد؛ لأنها عملية صرف والصرف لا بد فيه من التقابض الفوري.

وعلى القول الثاني فلا ربا في هذا التأخير كون التوكن لا يعد عملة بعد ولا يأخذ أحكام العملات إلا بعد حصول الإدراج وحصول القبول له.

ولعل القول الثاني هو الراجح في هذه المسألة ولكن مع ذلك كان من الواجب التنبيه لكلا وجهتي النظر في المسألة.

وهذا باختصار والله أعلم.

ناشر SND

كاتب مجتمع SND المبدع, سنبقى نكتب من أجلكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى